יום חמישי, 21 במרץ 2013


 مختصر مصر في فترة ما بين الحربين العالميتين للبجروت
د.اشرف ابو زرقة


سعد زغلول وحزب الوفد


امن بعض المصريون انه بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ستقوم بريطانيا بإعطائهم الاستقلال وتقوم بالرحيل عن اراضيهم .جاء هذا بسبب مبادئ ويلسون ال 14 التي شددت على حق تقرير المصير للشعوب والقوميات واجراء مؤتمر الصلح في باريس. في هذه الظروف تشكل حزب الوفد على يد الزعيم الوطني سعد زغلول , خريج جامعة الازهر والذي تأثر من افكار جمال الدين الافغاني ومحمد عبدة واستغل افكارهما في سبيل حل القضية الوطنية المصرية . طالب سعد زغلول بالسفر الى باريس من اجل المشاركة في المؤتمر وعرض فكرة استقلال مصر وجلاء(رحيل) البريطانيين عن مصر . في هذه الفترة تبلورت افكار حزب الوفد التي يمكن تلخيصها بثلاثة افكار ومعتقدات اساسية : العمل من اجل جلاء البريطانيين عن مصر والعمل على وحدة اراضي وادي النيل (مع السودان) , والعمل من اجل انشاء دستور ديمقراطي لمصر .


سياسة بريطانيا في مصر والحركة الوطنية


رأت بريطانيا ان المطالب المصرية بقيادة سعد زغلول لا تتوافق مع سياستها ومصالحها في مصر .فكان هدف السياسة البريطانية في مصر هو المحافظة على مصالحها في قناة السويس (الطريق الى مستعمراتها في الهند والشرق الاقصى) والمحافظة على التواصل مع مستعمراتها الاخرى في افريقيا  واستغلال الموارد الاقتصادية المصرية . من اجل الحفاظ على هذه المصالح قامت بريطانيا بتغيير سياستها وفق الظروف السياسية الداخلية في البلاد والدولية.فعندما طالب سعد زغلول بالسفر الى باريس اتبعت سياسة الحزم والتنكيل والعنف والنفي .فقامت بنفي سعد زغلول من جزيرة الى جزيرة حتى تخمد نيران الحركة الوطنية في مصر ومن اجل ان لا يطالب المصريون في حقوقهم المشروعة .واستخدمت سياسة الحزم والبطش والاعدام عندما قامت ثورة عام 1919.من اهم اسباب هذه الثورة كان اصلا ,  نفي سعد زغلول ورفاقهورغبة المصريين في الاستقلال مثل كل الشعوب الاخرى  وبسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة نتيجة الاستغلال البريطاني .وكان من نتائج الثورة بانه قامت بريطانيا بانتهاج سياسة اظهار المرونة واللين وذلك عندما لم تنجح سياسة الحزم والبطش في اخماد الثورات والحركة الوطنية , حتى انها قامت بإعادة سعد زغلول ورفاقه المنفيين الى مصر بعد اشتداد ثورة 1919 التي شلت المرافق الاقتصادية في مصر , وشلت حركة المواصلات بسبب الاضراب العام والمظاهرات الصاخبة . كما انها قامت بتشكيل لجنة ملنر (كعادة بريطانيا بعد كل ثورة في مستعمراتها) من اجل تسكين الثورات وامتصاص غضب المصريين . هذه اللجنة اوصت باستقلال مصر وانشاء دستور لها مع تقييدات الغت مفعوليتها وهي حق بريطانيا بالحفاظ على مصالحها في مصر وخصوصا قناة السويس والحفاظ على قواعدها العسكرية . بعد هذه التوصيات قامت بريطانيا بإصدار تصريح 1922 الذي اظهر موافقة بريطانيا على استقلال مصر مقابل تقييدات وهي المحافظة على مصالح مصر في القناة وحماية الاقليات ومصالح الاجانب والدفاع عن مصر ضد كل اعتداء وتبقى السودان تحت الحكم الانجليزي المصري الثنائي . هنا نرى انه كان باستطاعة بريطانيا الادعاء بكل لحظة بان هناك خرق لهذه التقييدات ولهذا تستطيع بكل سهوله الغاء هذا التصريح , مثل مجرد اعتداء على مسيحي في مصر من قبل احد المسلمين حتى لو لم يكن الاعتداء لاسباب دينية , او ادعاء بريطانيا بانه تشك بان امن مصر الداخلي او الخارجي في خطر .من هنا نرى ان حتى هذا التصريح لم يلب أي ادنى المطالب المصرية بالاستقلال ويعطي بريطانيا حق التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لمصر .بالواقع نرى ان بريطانيا استغلت كل حادث سياسي او ديني في مصر من اجل تحقيق اهدافها ومصالحها الشخصية غير مكترثة بالشعب المصري ومطالبه القومية . فعند مقتل الضابط الانجليزي لي ستاك في عام 1924 , استغلت بريطانيا الحادث من اجل اذلال الزعماء السياسيين في مصر عندما قامت بتطويق البرلمان والمطالبة بتقديم الاسف العميق ودفع غرامات مالية ضخمة وترحيل الجيش المصري عن السودان والاعتراف بمصالح بريطانيا وفرض الاحتكارات البريطانية في مصر .وفي عام 1928 اعلنت معاهدة جديدة سميت باسم معاهدة ثروت-تشمبرلين التي اكدت بقاء القوات البريطانية والزام المصريين بقبول البريطانيين كمشرفين على الجيش المصري .

المعاهدة البريطانية –المصرية لعام 1936


تعتبر هذه المعاهدة سلسلة في سياسة بريطانيا بالابقاء على نفوذها في مصر وخصوصا انه في عام 1935 اشتعلت المشاعر الوطنية المصرية ودب الحماس عند المصريين لمقاومة الانجليز . ففي هذه السنة استصعبت الدولة الغربية الحديثة والمتقدمة ايطاليا في احتلال دولة اثيوبيا المجاورة للسودان ومصر واحتلتها بعد مقاومة شديدة وبعد تصاعد الاستنكارات العالمية لهذا الاحتلال البشع .خافت بريطانيا من ثورة في مصر تهدد مصالحها وخصوصا انها كانت مشغولة في مشاكل مستعمراتها الاخرى ومشغولة بتزايد قوة هتلر في المانيا وتخوفت من احتلال ايطالي محتمل للسودان ومصر .من هنا رأت انه من المناسب توقيع اتفاقية مع زعيم حزب الوفد الجديد مصطفى النحاس .في هذه المعاهدة تم الاتفاق على انهاء الاحتلال البريطاني لمصر وتمثيل مصر بواسطة سفير وليس حاكم عسكري والاعتراف بحقوق بريطانيا في السودان والعمل على الغاء نظام الامتيازات (الذي كان يسري منذ الفترة العثمانية ) في مصر  والعمل من اجل ادخال مصر الى عصبة الامم. بالواقع كانت هذه الاتفاقية مليئة بالتقييدات وقابلة للتفسيرات الكثيرة التي استغلت من اجل المصالح البريطانية وخصوصا كل ما يتعلق بالتحالفات السياسية والعسكرية بين مصر وبريطانيا وبقاء قوات بريطانية في قناة السويس وامكانية دخول بريطانيا مصر في حالة الحرب .من هنا نرى ان هذه الاتفاقية التي اعتز بها مصطفى النحاس لم تعطي مصر الاستقلال المنشود وكانت بالواقع تمويها وخداعا اخر للمصريين في هدف تسكين وامتصاص الغضب المصري في ظروف مصرية داخلية وظروف دولية خارجية غير مريحة لبريطانيا .

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה