יום שלישי, 12 בפברואר 2013


حملة ابراهيم باشا على سوريا
بقلم د.اشرف ابو زرقة 


ظروف الحملة
تعتبر هذه الحملة من اهم الحملات التي قام بها محمد علي في ظل المسألة الشرقية وبعد حرب التحرير اليونانية التي انتهت باعلان استقلال اليونان وتدمير الاسطول المصري .لقد خسر محمد علي اسطوله في معركة نفارين البحرية ولم يلتزم السلطان العثماني بوعوده لمحمد علي بتسليمه جزيرة كريت ومنحه سوريا وفلسطين كتعويض له ولخسائره في الحرب .
اسباب ودوافع الحملة
عندما نكث السلطان لوعوده لمحمد علي ومع هجرة العديد من المصريين الى فلسطين بسبب الضرائب المرتفعة , طالب محمد علي السلطان ووالي عكا بايفاء الوعود واعادة الفلاحين المصريين الى مصر . غير ان رفض السلطان ورفض والي عكا باعادة المصريين جعلا محمد علي يعلن الحرب على الدولة العثمانية مطالبا بهذه المطالب المعلنة . مع هذا كانت هناك اغراض اخرى لهذه الحملة : منها رغبة محمد علي باستغلال ثروات سوريا وفلسطين وخصوصا الحصول على الاخشاب الضرورية لاعادة بناء اسطوله المحطم وتطوير صناعة الحرير في سوريا التي كانت تدر ذهبا . كما انه اراد تحويل فلسطين كحزام امني ومنطقة امنية تحميه من غزوات محتملة من قبل الدولة العثمانية وتكون نقطة مراقبة وانذار لحماية مصر في حال الاعتداء عليها . وهناك من يقول بان محمد علي طمح باقامة امبراطورية عربية اسلامية بدل الامبراطورية العثمانية القائمة .

سير الحملة

في عام 1831 قام محمد علي بارسال ابنه القائد العسكري المحنك ابراهيم باشا ليقوم باحتلال غزة .من بعد سقوط غزة انطلق الجيش المصري ليحتل يافا ومن ثم القدس .ومن بعدها قام بتحرير معظم الساحل الفلسطيني حتى يصل الى عكا . بصورة غير متوقعة , قام باحتلال عكا الحصينة التي عجز عنها نابليون .عندها تم سقوط المدن السورية بسهولة . تم احتلال دمشق ومن ثم حماة ومدينة حلب عاصمة سوريا الشمالية .هنا وصل ابراهيم باشا الى مشارف لب الدولة العثمانية وهي منطقة الاناضول والتقى مع الجيش العثماني في معركة قونية الشهيرة سنة 1832 التي كلفت الدولة العثمانية غاليا عندما تم دحر الجيش العثماني وبداية لتوطيد الحكم المصري في سوريا .

مواقف الدول في بداية الحملة

على الرغم من ان بريطانيا عارضت منذ البداية حملة ابراهيم باشا , الا انها اجلت تدخلها في هذه الازمة من ازمات المسالة الشرقية بسبب انشغالها بشؤون اوروبا الداخلية . اما فرنسا حليفة محمد علي في هذه الازمة فانها لم تتدخل في البداية وحاولت اقناع محمد علي بعدم التقدم بالاناضول . اما روسيا , فانها قامت منذ البداية بمعارضة محمد علي لخوفها من انشاء دولة قوية بدل الدولة العثمانية والاضرار بمصالحها في منطقة البحر الاسود والبحر المتوسط .لهذا قامت بالتوقيع مع الدولة العثمانية على اتفاقية خنكيار(او هنكار) اسكلي سي 1833 التي تم تعهد روسيا بحماية الدولة العثمانية مقابل اغلاق مضائق البوسفور والدردنيل امام السفن المعادية لروسيا وفتح هذه المضائق للروس.
اثارت هذه الاتفاقية مخاوف بريطانيا وفرنسا , وعندها قامت فرنسا بارسال مبعوث فرنسي لاقناع محمد علي بالانسحاب الى سوريا وعدم التقدم بالاراضي التركية . عندها تم توقيع اتفاقية كوتاهية في عام 1833 بين مصر والدولة العثمانية والتي تم فيها انسحاب الجيش المصري الى سوريا .

الحكم المصري في سوريا

في سوريا , قام محمد علي بإجراء الكثير من الاصلاحات من اجل كسب ثقة الشعب السوري والفلسطيني ومن اجل توطيد وتثبيت حكمه ومن اجل استغلال الثروات الطبيعية لدولته .من بين هذه الاصلاحات , كانت في مجال التعليم , حيث سمح لبعض الدول الاوروبية بإنشاء مدارس حديثة في فلسطين وسوريا .مع ان غرض هذه المدارس هو لتبشير الدين المسيحي الا انها ساهمت في انشاء طبقة من المثقفين العرب الذين ساهموا في احياء الوعي العربي والإسلامي في البلاد .    كما انه اقام مجالس للسكان من اجل ان تكون حلقة وصل بين الدولة وبين السكان , وطور الزراعة وشجع خصوصا زراعة التوت من اجل انتاج الحرير . كما انه اقام العديد من الوحدات العسكرية الامنية التي وفرت الامن للسكان وحاربت بعض القبائل البدوية التي كانت تشن الغارات على الفلاحين .
في البداية , رحب السكان بالسلطة المصرية , مع تخلصهم من ظلم حكام الولايات السابقين , ومع بشائر الاصلاح في البلاد . لكن مع بداية توطيد الحكم المصري وإلزام الناس بدفع ضريبة خاصة تسمى ضريبة الرأس لتمويل الجيش المصري , ومع الزام الناس بتسليم سلاحهم الى السلطات المصرية , ومع الزام الفلسطينيين والسوريين بالتجنيد الاجباري للجيش المصري, تغير موقف السكان وقام الكثير منهم بإعلان الثورة ضد جيش محمد علي.

اندلاع الثورة والحروب الاخيرة

اندلعت الثورة السورية والفلسطينية واللبنانية في العديد من المناطق وقام ابراهيم باشا بقمع هذه الثورات وخاصة ثورة الدروز بشراسة , حيث سمم الابار ومنع وصول الغذاء للمحاصرين حتى هلك الكثير منهم جوعا .كما انه قام بمحاربة ثوار الخليل ونابلس واستطاع كبحهم .
على اثر هذه الثورات ظنت الدولة العثمانية انه جاء الوقت لاعادة سوريا تحت الحظيرة العثمانية وخصوصا بانه تم تقوية الجيش العثماني وتدريبه ومع تعهد بريطانيا في تقديم المساعدات للدولة العثمانية في اتفاقية بالطيمان عام 1838 مقابل  الحصول على امتيازات اقتصادية وتجارية في الدولة العثمانية .كما ظنت الدولة العثمانية ان انشغال ابراهيم باشا في اخماد الثورات سيساعد في انتصارها .
ففي عام 1839 قام محمود الثاني باعلان الحرب على محمد علي .في البداية حقق بعض الانتصارات , غير ان سرعة ابراهيم باشا في اتخاذ الموقف وسرعة التخطيط للهجوم المعاكس, جعلت الجيش المصري في النهاية يسحق الجيش العثماني في معركة نصيبين (او نزيب) ويتقدم باعماق الدولة العثمانية .
محمود الثاني الذي توفي في هذه الفترة والارتباك الذي حصل في الدولة العثمانية , اديا في النهاية الى تدخل الدول العظمى , وخصوصا بريطانيا التي خافت على مصالحها وخصوصا من التدخل الروسي ومن الاضرار بطرق المواصلات(العراق وسوريا كانتا من الطرق الموصلة للهند ) الى مستعمرتها في الهند . لهذا تم عقد مؤتمر لندن في عام 1840 الذي طالب محمد علي بالانسحاب بشكل فوري من الاناضول , مقابل ان تعطيه الدولة العثمانية ولاية عكا مدى حياته .
فرحة الانتصار بمعركة نصيبين ورغبة محمد علي باقامة امبراطوريته الجديدة ادت الى  رفض عروض مؤتمر لندن  وجعلته يصر حتى على التمسك بالمناطق الجديدة  التي احتلت في الاناضول . في هذه الظروف , قامت بريطانيا بارسال جيوشها وقامت بتشجيع السكان المحليين على الثورة .تحت وطأة قصف الدول العظمى لعكا ووصول الاسطول البريطاني الى مشارف الساحل المصري وتحت هجوم الثوار المحليين على جيش محمد علي , قام محمد علي بالانسحاب من سوريا مقابل الحصول على فرمان الوراثة لعام 1841 من قبل السلطان العثماني . في هذا الفرمان تم منح مصر لمحمد علي واولاده بحيث تكون تحت حكمهم بشكل وراثي .وتعهد محمد علي بدفع جزية سنوية للدولة العثمانية وتعهد ان تكون مصر تابعة للدولة العثمانية من ناحية سياسية , حيث تقوم مصر بالاعتراف بالمعاهدات والاتفاقيات التي تعقدها الدولة العثمانية .

سؤال بجروت 


أنعكست ألمسأله الشرقية في عدة اقطار عربية تحت الحكم العثماني خلال القرن التاسع عشر,  منها حملة ابراهيم باشا على سوريا عام 1832.

أ‌- ما هي المسأله الشرقية ؟
ب‌- بين ثلاثة من دوافع الحملة على الشام؟
ت‌- كيف اثرت المسألة الشرقية على تحديد مصير هذه الازمة؟ وضح.